سورة الجاثية - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)}
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} خلقا وملكا. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} {يوم} الأول منصوب ب {يخسر} و{يومئذ} تكرير للتأكيد أو بدل.
وقيل: إن التقدير وله الملك يوم تقوم الساعة. والعامل في {يومئذ} {يَخْسَرُ}، ومفعول {يَخْسَرُ} محذوف، والمعنى يخسرون منازلهم في الجنة.


{وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
قوله تعالى: {وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً} أي من هول ذلك اليوم. والامة هنا: أهل كل ملة.
وفي الجاثية تأويلات خمس: الأول- قال مجاهد: مستوفزة.
وقال سفيان: المستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله. الضحاك: ذلك عند الحساب.
الثاني- مجتمعة، قاله ابن عباس. الفراء: المعنى وترى أهل كل دين مجتمعين.
الثالث- متميزة، قاله عكرمة.
الرابع- خاضعة بلغة قريش، قاله مؤرج.
الخامس- باركة على الركب، قاله الحسن. والجثو: الجلوس على الركب. جثا على ركبتيه يجثو ويجثي جثوا وجثيا، على فعول فيهما، وقد مضى في {مريم}: واصل الجثوة: الجماعة من كل شي. قال طرفة يصف قبرين:
ترى جثوتين من تراب عليهما *** صفائح صم من صفيح منضد
ثم قيل: هو خاص بالكفار، قاله يحي بن سلام.
وقيل: إنه عام للمؤمن والكافر انتظارا للحساب. وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو عن عبد الله بن باباه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: {كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم} ذكره الماوردي.
وقال سلمان: إن في يوم القيامة لساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على ركبهم حتى إن إبراهيم عليه السلام لينادي {لا أسألك اليوم إلا نفسي}. {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا} قال يحيى ابن سلام: إلى حسابها.
وقيل: إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر، قاله مقاتل. وهو معنى قول مجاهد.
وقيل: {كِتابِهَا} ما كتبت الملائكة عليها. وقيل كتابها المنزل عليها لينظر هل عملوا بما فيه.
وقيل: الكتاب ها هنا اللوح المحفوظ. وقرأ يعقوب الحضرمي {كل أمة} بالنصب على البدل من {كل} الأولى لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى، إذ ليس في جثوها شيء من حال شرح الجثو كما في الثانية من ذكر السبب الداعي إليه وهو استدعاؤها إلى كتابها.
وقيل: انتصب بإعمال {ترى} مضمرا. والرفع على الابتداء. {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من خير أو شر.


{هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}
قوله تعالى: {هذا كِتابُنا} قيل من قول الله لهم. وقيل من قول الملائكة. {يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} أي يشهد. وهو استعارة، يقال: نطق الكتاب بكذا أي بين.
وقيل: إنهم يقرءونه فيذكرهم الكتاب ما عملوا، فكأنه ينطق عليهم، دليله قوله: {وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها} [الكهف: 49].
وفي المؤمنين: {وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} وقد تقدم. و{يَنْطِقُ} في، موضع الحال من الكتاب، أو من ذا، أو خبر ثان لذا، أو يكون {كِتابُنا} بدلا من {هذا} و{يَنْطِقُ} الخبر. {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون. قال علي رضي الله عنه: إن لله ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم.
وقال ابن عباس: إن الله وكل ملائكة مطهرين فينسخون من أم الكتاب في رمضان كل ما يكون من أعمال بني آدم فيعارضون حفظة الله على العباد كل خميس، فيجدون ما جاء به الحفظة من أعمال العباد موافقا لما في كتابهم الذي استنسخوا من ذلك الكتاب لا زيادة فيه ولا نقصان. قال ابن عباس: وهل يكون النسخ إلا من كتاب. الحسن: نستنسخ ما كتبته الحفظة على بني آدم، لان الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.
وقيل: تحمل الحفظة كل يوم ما كتبوا على العبد، ثم إذا عادوا إلى مكانهم نسخ منه الحسنات والسيئات، ولا تحول المباحات إلى النسخة الثانية.
وقيل: إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله عز وجل أمر بأن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب، ويسقط من جملتها ما لا ثواب فيه ولا عقاب.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9